إرادة الحياة
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ : " أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!"
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر
سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ ، شِتَاءُ الضَّبَابِ شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَـر
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر
وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر
وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر
وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر
وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر
وَذِكْرَى فُصُول ٍ ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر
مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر
لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر
وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر
وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر
فصدّعت الأرض من فوقـها وأبصرت الكون عذب الصور
وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر
وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه تعيد الشباب الذي قد غبـر
وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر
وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر
ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر
إليك الفضاء ، إليك الضيـاء إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر
إليك الجمال الذي لا يبيـد إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئتِ فوق الحقول بِحلو الثمار وغـض الزهـر
وناجي النسيم وناجي الغيـوم وناجي النجوم وناجي القمـر
وناجـي الحيـاة وأشواقـها وفتنـة هذا الوجـود الأغـر
وشف الدجى عن جمال عميقٍ يشب الخيـال ويذكي الفكر
ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر
وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء وَضَاعَ البَخُورُ ، بَخُورُ الزَّهَر
وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر
وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَـابِ وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ : " أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
وَلَـوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الحَيَـاةُ مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِـر!"
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ مُثَقَّلَـةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر
سَكِرْتُ بِهَا مِنْ ضِياءِ النُّجُومِ وَغَنَّيْتُ لِلْحُزْنِ حَتَّى سَكِـر
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ لِمَا أَذْبَلَتْـهُ رَبِيعَ العُمُـر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَـاهُ الظَّلامِ وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَـابُ في رِقَّـةٍ مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ ، شِتَاءُ الضَّبَابِ شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَـر
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ ، سِحْرُ الغُصُونِ وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُ الثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر
وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر
وَتَلْهُو بِهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر
وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ تَأَلَّـقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر
وَتَبْقَى البُـذُورُ التي حُمِّلَـتْ ذَخِيـرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر
وَذِكْرَى فُصُول ٍ ، وَرُؤْيَا حَيَاةٍ وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر
مُعَانِقَـةً وَهْيَ تَحْـتَ الضَّبَابِ وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْـتَ الْمَدَر
لَطِيفَ الحَيَـاةِ الذي لا يُمَـلُّ وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر
وَحَالِمَـةً بِأَغَـانِـي الطُّيُـورِ وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر
وَمَا هُـوَ إِلاَّ كَخَفْـقِ الجَنَاحِ حَتَّـى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر
فصدّعت الأرض من فوقـها وأبصرت الكون عذب الصور
وجـاءَ الربيـعُ بأنغامـه وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر
وقبلّـها قبـلاً في الشفـاه تعيد الشباب الذي قد غبـر
وقالَ لَهَا : قد مُنحـتِ الحياةَ وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخـر
وباركـكِ النـورُ فاستقبـلي شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر
ومن تعبـدُ النـورَ أحلامـهُ يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر
إليك الفضاء ، إليك الضيـاء إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر
إليك الجمال الذي لا يبيـد إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئتِ فوق الحقول بِحلو الثمار وغـض الزهـر
وناجي النسيم وناجي الغيـوم وناجي النجوم وناجي القمـر
وناجـي الحيـاة وأشواقـها وفتنـة هذا الوجـود الأغـر
وشف الدجى عن جمال عميقٍ يشب الخيـال ويذكي الفكر
ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ يُصَـرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر
وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء وَضَاعَ البَخُورُ ، بَخُورُ الزَّهَر
وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ بِأَجْنِحَـةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر
وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ
شكوى اليتيم
على ساحل البحر أنى يضج
صراخ الصباح ونوح المسا
تنهدتُ من مهجةِ أترعت
بدمع الشقاء وشوك الأسى
فضاع التنهد في الضجة
بما في ثناياه من لوعةِ
فسرت وناديت يا أم هيا
إلي فقد سئمتني الحياة
وجئت إلى الغاب أسكب أوجاع
قلبي نحيباً نحيباً كلفح اللهيب
فلم يفهم الغاب أشجانه
وظل يردد ألحانه
فسرت وناديت يا أم هياء
إلي فقد عذبتني الحياة
وقمت على النهر أهرق دمعاً
فتجر من فيض حزني الأليم
يسير بصمتي على وجنتي
ويلمع مثل دموع الجحيم
فما خفف النهر من عدوه
ولا سكت النهر عن شدوه
فسرت وناديت يا أم هيا
إلي فقد أضجرتني الحياة
ولما ندبتُ ولم ينفع
وناديت أمي فلم تسمع
رجعت بحزني إلى وحدتي
ورددت نوحي على مسمعي
وعانقت في وحدتي لوعتي
وقلت لنفسي ألا فاسكتي
صراخ الصباح ونوح المسا
تنهدتُ من مهجةِ أترعت
بدمع الشقاء وشوك الأسى
فضاع التنهد في الضجة
بما في ثناياه من لوعةِ
فسرت وناديت يا أم هيا
إلي فقد سئمتني الحياة
وجئت إلى الغاب أسكب أوجاع
قلبي نحيباً نحيباً كلفح اللهيب
فلم يفهم الغاب أشجانه
وظل يردد ألحانه
فسرت وناديت يا أم هياء
إلي فقد عذبتني الحياة
وقمت على النهر أهرق دمعاً
فتجر من فيض حزني الأليم
يسير بصمتي على وجنتي
ويلمع مثل دموع الجحيم
فما خفف النهر من عدوه
ولا سكت النهر عن شدوه
فسرت وناديت يا أم هيا
إلي فقد أضجرتني الحياة
ولما ندبتُ ولم ينفع
وناديت أمي فلم تسمع
رجعت بحزني إلى وحدتي
ورددت نوحي على مسمعي
وعانقت في وحدتي لوعتي
وقلت لنفسي ألا فاسكتي
إلى طغاة العالم
ألا أيها الظالم المستبد.................حبيب الظلام عدو الحياه
سخرت بأنّات شعب ضعيف.........و كفك مخضوبة من دماه
و سرت تشوه سحر الوجود...........و تبذر شوك الأسى في رباه
**************************
رويدك لا يخدعنْك الربيع.............و صحو الفضاء و ضوء الصباح
ففي الأفق الرحب هول الظلام........و قصف الرعود و عصف الرياح
حذار فتحت الرماد اللهيب.............و من يبذر الشوك يجن الجراح
************************
تأمل هنالك أنّى حصدت........ ......رؤوس الورى و زهور الأمل
و رويّت بالدم قلب التراب.............وأشربته الدمع حتى ثمل
سيجرفك السيل سيل الدماء............و يأكلك العاصف المشتعل
سخرت بأنّات شعب ضعيف.........و كفك مخضوبة من دماه
و سرت تشوه سحر الوجود...........و تبذر شوك الأسى في رباه
**************************
رويدك لا يخدعنْك الربيع.............و صحو الفضاء و ضوء الصباح
ففي الأفق الرحب هول الظلام........و قصف الرعود و عصف الرياح
حذار فتحت الرماد اللهيب.............و من يبذر الشوك يجن الجراح
************************
تأمل هنالك أنّى حصدت........ ......رؤوس الورى و زهور الأمل
و رويّت بالدم قلب التراب.............وأشربته الدمع حتى ثمل
سيجرفك السيل سيل الدماء............و يأكلك العاصف المشتعل
نشيد الجبار
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ ,كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ...
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
"-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ»
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ»
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي»
«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ
فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ»
«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ"
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي
ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي
ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي
إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-:
"إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي»
«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ»
«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي
«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..»
وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ»
«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي»
أما أنا فأجيبكم من فوقِكم والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي:
مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ"
أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ
لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ...
وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ
أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي
وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ
وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني عن حرب آمالي بكل بلاءِ:
"-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ
«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»
لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء
«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي
واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ
وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ»
«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً قيثارتي، مترنِّما بغنائي»
«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»
النّور في قلبِي وبينَ جوانحي فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»
«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»
«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ»
أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي»
«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ
فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ»
«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ"
وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي
ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي
ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي
إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-:
"إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي
«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي»
«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ»
«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي
«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..»
وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ»
«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي»
أما أنا فأجيبكم من فوقِكم والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي:
مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ"
حديث المقبرة
أتفنى ابتسامات تلك الجفون ويخبو توهج تلك الخدود
وتزوي وريدات تلك الشفاة وتهوي إلى التراب تلك النهود
وينهد ذاك القوام الرشيف وينحل صدر بديع وجيد
وتريد تلك الوجوه الصباح وفتنه ذاك الجمال الفريد
ويغبر فرع كجنح الظلام انيق الغدائر جعد مديد
ويصبح في ظلمات القبور هباءً حقيراً وتربًا زهيد
وينجاب سحر الغرام القوي وسكرُ الشباب الغرير السعيد
اتطوى سموات هذا الوجود ويذهب هذا الفضاء البعيد
وتهلك تلك النجوم القدامى ويهرم هذا الزمان العهيد
ويقضي صباح الحياة البديع وليل الوجود الرهيب العتيد
وشمس توشي رداء الغمام وبدر يضيء وغيم يجود
وضوء يرصع موج الغدير وسحر يطرز تلك البرود
وبحر فسيح بعيد القرار يضج ويدوي دوي الوليد
وريح تمر مرور الملاك وتخطو إلى الغاب خطو الرعود
وعاصفة من بنات الجحيم كأن صداها زئير الاسود
تعج فتدوي حنايا الجبال وتمشي فتهوي صخور النجود
وطير تغني خلال الغصون وتهتف للفجر بين الورود
وزهر ينمق تلك التلال وينهل من كل ضوء جديد
ويعبق منه اريج الغرام ونفح الشباب الحيي السعيد
ايسطو على الكل ليل الفناء ليلهو بها الموت خلف الوجود
وينثرها في الفراغ المخفيف كما تنشر الورد ريح شرود
فينضب يم الحياة الخضم ويخمد روح الربيع الولود
فلا يلثم النور سحر الخدود ولا تنبت الارض غض الورود
كبير على النفس هذا العفاء وصعب على القلب هذا الهمود
وماذا على القدر المستمرُ لو استمرأ الناس طعم الخلود
ولم يخفروا بالخراب المحيط ولم يفجعوا في الحبيب الودود
ولم يسلكوا للخلود المرجي سبيل الردى وظلام اللحود
فدام الشباب وسحر الغرام وخفق الربيع ولطف الورود
وعاش الورى في سلام أمين وعيش غضير رقي رغيد
ولكن هو القدر المستمبد يلذ له نوحنا كالنشيد
وكانت بين القبور روح فيلسوف قديم مجهول فجاءت تزور جسمها الذي اصبح رمة بالية في أحشاء التراب فاشفقت على الشاعر المسكين من آلامه الروحية وحيرته الظامئة فارادت أن تعلمه الحكمة وتسكب في قلبه اليقين فخاطبته بهذه الابيات :-
تبرمت بالعيش خوف الفناء ولو دمت حيا سئمت الخلود
وعشت على الارض مثل الجبال جليلاً رهيباً غريباً وحيد
فلم ترشف من رضاب الحياة ولم تصطبح من رحيق الوجود
وما نشوة الحب عند المحب وما سحر ذاك الربيع الوليد
ولم تدر ما فتنة الكائنات وما صرخة القلب عند الصدود
ولم تفتكر بالغد المستراب ولم تحتفل بالمرام البعيد
وماذا يرجى ربيب الخلود من الكون وهو المقيم العهيد
وماذا يود وماذا يخاف من الكون وهو المقيم الابيد
تامل فإن نظام الحياة نظام دقيق بديع فريد
فما حبب العيش إلا الفناء ولا زانه غير خوف اللحود
ولو لا شقاء الحياة الاليم لما أدرك الناس معنى السعود
ومن لم يرعه قطوب الدياجير لم يغتبط بالصباح الجديد
***********************************
وراق حديث الروح الشاعر العائش بين الهواتف والاشباح فقال يحاورها :-
اذا لم يكن من لقاء المنايا مناص لمن حل هذا الوجود
فأي غناء لهذه الحياة وهذا الصراع العنيف الشديد
وذاك الجمال الذي لا يمُل وتلك الاغاني وذاك النشيد
وهذا الظلام وذاك الضياء وتلك النجوم وهذا الصعيد
لماذا نمر بوادي الزمان سراعاً ولكننا لا نعود
نشرب من كل نبع شرابًا ومنه الرفيع ومنه الزهيد
ومنه اللذيذ ومنه الكريه ومنه المشيد ومنه المبيد
ونحمل عبئًا من الذكريات وتلك العهود التي لا تعود
ونشهد اشكال هذه الحياة وفيها الشقي وفيها السعيد
وفيها البديع وفيها الشنيع وفيها الوديع وفيها العنيد
فيصبح منها الولي الحميم ةيصبح منها العدو الحقود
وكل اذا ما سالناه الحياة غريب لعمري بهذا الوجود
أتيناه من عالم لا نراه فرادى ما من شأن هذه الحقود
وما شأن هذا العداء العنيف وما شأن هذا الإخاء الودود
**********
روح الفيلسوف
************
خلقنا لنبلغ شأو الكمال ونصبح اهلاً لمجد الخلود
وتطهر أرواحنا في الحياة بنار الاسى............
ونكسب من عثرات الطريق قوى لا تهد بدأب الصعود
ومجداً يكون لنا في الخلود أكاليل من رأئعات الودود
********
ومر بالمقبرة سرب من الارواح في طريقها إلى العالم المجهول
فطارت معها روح الفيلسوف ، وخلقت عالم الشك والكآبة وظل الشاعر
يردد بينه وبين نفسه:-
خلقنا لنبلغ شأو الكمال ونصبح اهلا لمجد الخلود
ولكن أفكاره الثائرة التي لا تهدأ كانت لا تزال تلح عليه بالاسئلة الكثيرة المرهقة فقال يناجي
روح الفيلسوف التي حسبها مازالت قريبه منه :
ولكن اذا ما لبسنا الخلود ونلنا كمال النفوس البعيد
فهل لا نمل دوام البقاء وهل لا نود كمالاً جديد
وكيف يكون هذا الكمال وماذا نراه وكيف الحدود
وإن جمال الكمال الطموح ومادام فكراً يرى من بعيد
فما سحره إن غدا واقعًا يحسُ وأصبح شيئاً شهيد
فلا تطمح النفس فوف الكمال وفوق الخلود لبعض المزيد
اذا لم يزل شوقها في الخلود فذاك لعمري شقاء الجدود
وحرب ضروس كما قد عهدت ونصر وكسر وهم مديد
وإن زال عنها فذاك الفناء وإن كان في عرصات الخلود
*************
كذلك ناجى الشاعر روح الفيلسوف ولكنها اذا ذاك بعيدة عنه
في عالم بعيد لا يسمح نجواه وكذلك ضاعت اسئلة الشاعر في ظلمة الليل الذي لا يسمع ولا يجيب
وتزوي وريدات تلك الشفاة وتهوي إلى التراب تلك النهود
وينهد ذاك القوام الرشيف وينحل صدر بديع وجيد
وتريد تلك الوجوه الصباح وفتنه ذاك الجمال الفريد
ويغبر فرع كجنح الظلام انيق الغدائر جعد مديد
ويصبح في ظلمات القبور هباءً حقيراً وتربًا زهيد
وينجاب سحر الغرام القوي وسكرُ الشباب الغرير السعيد
اتطوى سموات هذا الوجود ويذهب هذا الفضاء البعيد
وتهلك تلك النجوم القدامى ويهرم هذا الزمان العهيد
ويقضي صباح الحياة البديع وليل الوجود الرهيب العتيد
وشمس توشي رداء الغمام وبدر يضيء وغيم يجود
وضوء يرصع موج الغدير وسحر يطرز تلك البرود
وبحر فسيح بعيد القرار يضج ويدوي دوي الوليد
وريح تمر مرور الملاك وتخطو إلى الغاب خطو الرعود
وعاصفة من بنات الجحيم كأن صداها زئير الاسود
تعج فتدوي حنايا الجبال وتمشي فتهوي صخور النجود
وطير تغني خلال الغصون وتهتف للفجر بين الورود
وزهر ينمق تلك التلال وينهل من كل ضوء جديد
ويعبق منه اريج الغرام ونفح الشباب الحيي السعيد
ايسطو على الكل ليل الفناء ليلهو بها الموت خلف الوجود
وينثرها في الفراغ المخفيف كما تنشر الورد ريح شرود
فينضب يم الحياة الخضم ويخمد روح الربيع الولود
فلا يلثم النور سحر الخدود ولا تنبت الارض غض الورود
كبير على النفس هذا العفاء وصعب على القلب هذا الهمود
وماذا على القدر المستمرُ لو استمرأ الناس طعم الخلود
ولم يخفروا بالخراب المحيط ولم يفجعوا في الحبيب الودود
ولم يسلكوا للخلود المرجي سبيل الردى وظلام اللحود
فدام الشباب وسحر الغرام وخفق الربيع ولطف الورود
وعاش الورى في سلام أمين وعيش غضير رقي رغيد
ولكن هو القدر المستمبد يلذ له نوحنا كالنشيد
وكانت بين القبور روح فيلسوف قديم مجهول فجاءت تزور جسمها الذي اصبح رمة بالية في أحشاء التراب فاشفقت على الشاعر المسكين من آلامه الروحية وحيرته الظامئة فارادت أن تعلمه الحكمة وتسكب في قلبه اليقين فخاطبته بهذه الابيات :-
تبرمت بالعيش خوف الفناء ولو دمت حيا سئمت الخلود
وعشت على الارض مثل الجبال جليلاً رهيباً غريباً وحيد
فلم ترشف من رضاب الحياة ولم تصطبح من رحيق الوجود
وما نشوة الحب عند المحب وما سحر ذاك الربيع الوليد
ولم تدر ما فتنة الكائنات وما صرخة القلب عند الصدود
ولم تفتكر بالغد المستراب ولم تحتفل بالمرام البعيد
وماذا يرجى ربيب الخلود من الكون وهو المقيم العهيد
وماذا يود وماذا يخاف من الكون وهو المقيم الابيد
تامل فإن نظام الحياة نظام دقيق بديع فريد
فما حبب العيش إلا الفناء ولا زانه غير خوف اللحود
ولو لا شقاء الحياة الاليم لما أدرك الناس معنى السعود
ومن لم يرعه قطوب الدياجير لم يغتبط بالصباح الجديد
***********************************
وراق حديث الروح الشاعر العائش بين الهواتف والاشباح فقال يحاورها :-
اذا لم يكن من لقاء المنايا مناص لمن حل هذا الوجود
فأي غناء لهذه الحياة وهذا الصراع العنيف الشديد
وذاك الجمال الذي لا يمُل وتلك الاغاني وذاك النشيد
وهذا الظلام وذاك الضياء وتلك النجوم وهذا الصعيد
لماذا نمر بوادي الزمان سراعاً ولكننا لا نعود
نشرب من كل نبع شرابًا ومنه الرفيع ومنه الزهيد
ومنه اللذيذ ومنه الكريه ومنه المشيد ومنه المبيد
ونحمل عبئًا من الذكريات وتلك العهود التي لا تعود
ونشهد اشكال هذه الحياة وفيها الشقي وفيها السعيد
وفيها البديع وفيها الشنيع وفيها الوديع وفيها العنيد
فيصبح منها الولي الحميم ةيصبح منها العدو الحقود
وكل اذا ما سالناه الحياة غريب لعمري بهذا الوجود
أتيناه من عالم لا نراه فرادى ما من شأن هذه الحقود
وما شأن هذا العداء العنيف وما شأن هذا الإخاء الودود
**********
روح الفيلسوف
************
خلقنا لنبلغ شأو الكمال ونصبح اهلاً لمجد الخلود
وتطهر أرواحنا في الحياة بنار الاسى............
ونكسب من عثرات الطريق قوى لا تهد بدأب الصعود
ومجداً يكون لنا في الخلود أكاليل من رأئعات الودود
********
ومر بالمقبرة سرب من الارواح في طريقها إلى العالم المجهول
فطارت معها روح الفيلسوف ، وخلقت عالم الشك والكآبة وظل الشاعر
يردد بينه وبين نفسه:-
خلقنا لنبلغ شأو الكمال ونصبح اهلا لمجد الخلود
ولكن أفكاره الثائرة التي لا تهدأ كانت لا تزال تلح عليه بالاسئلة الكثيرة المرهقة فقال يناجي
روح الفيلسوف التي حسبها مازالت قريبه منه :
ولكن اذا ما لبسنا الخلود ونلنا كمال النفوس البعيد
فهل لا نمل دوام البقاء وهل لا نود كمالاً جديد
وكيف يكون هذا الكمال وماذا نراه وكيف الحدود
وإن جمال الكمال الطموح ومادام فكراً يرى من بعيد
فما سحره إن غدا واقعًا يحسُ وأصبح شيئاً شهيد
فلا تطمح النفس فوف الكمال وفوق الخلود لبعض المزيد
اذا لم يزل شوقها في الخلود فذاك لعمري شقاء الجدود
وحرب ضروس كما قد عهدت ونصر وكسر وهم مديد
وإن زال عنها فذاك الفناء وإن كان في عرصات الخلود
*************
كذلك ناجى الشاعر روح الفيلسوف ولكنها اذا ذاك بعيدة عنه
في عالم بعيد لا يسمح نجواه وكذلك ضاعت اسئلة الشاعر في ظلمة الليل الذي لا يسمع ولا يجيب
يا موت
يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري
وقَصَمْت بالأَرزاءَ ظَهْرِي
ورمَيْتَني مِنْ حالقٍ
وسَخِرْتَ منِّي أَيَّ سُخْرِ
فلَبِثْتُ مرضوضَ الفؤادِ
أَجرُّ أجنحتي بذُعْرِ
وقَسَوْتَ إذْ أَبقيتَنِي في
الكونِ أَذْرَعُ كُلَّ وَعْرِ
وفَجَعْتَني فيمَنْ أُحِبُّ
ومنْ إليهِ أَبُثُّ سرِّي
وأَعُدُّهُ فَجْرِي الجميلَ
إِذا ادْلَهَمَّ عليَّ دَهْري
وأَعُدُّهُ وَرْدِي ومِزْماري
وكَاسَاتي وخَمْرِي
وأَعُدُّهُ غَابي ومِحْرابي
وأُغْنِيَتي وفَجْرِي
وَرَزَأْتَني في عُمْدَتي
ومَشُورَتي في كلِّ أمْرِ
وهَدَمْتَ صرحاً لا أَلوذُ
بغيرِهِ وهَتَكْتَ سِتْرِي
فَفَقَدْتُ روحاً طاهراً
شهماً يَجِيشُ بكلِّ خَيْرِ
وَفَقَدْتُ قلباً همُّهُ أَنْ
يستوي في الأُفقِ بدْرِي
وَفَقَدْتُ كفًّا في الحَيَاةِ
يصُدُّ عنِّي كلَّ شرِّ
وَفَقَدْتُ وجهاً لا يُعَبِّسُهُ
سوى حَزَني وضُرِّي
وَفَقَدْتُ نفساً لا تَني عنْ
صوْن أَفراحي وبِشْرِي
وَفَقَدْتُ رُكني في الحَيَاةِ
ورايَتي وعمادَ قصْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مَزَّقْتَ صَدْري
وقَصَمْتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ ماذا تبتغِي منِّي
وقدْ مزَّقتَ صَدْرِي
ماذا تودُّ وأَنتَ قَدْ
سوَّدتَ بالأَحزانِ فِكْرِي
وتَرَكْتَني في الكائناتِ
أَئِنُّ منفرداً بإِصْرِي
وأَجوبُ صحراءَ الحَيَاةِ
أَقولُ أَيْنَ تُراهُ قبْرِي
ماذا تَوَدُّ من المُعَذَّبِ
في الوُجُودِ بغيرِ وِزْرِ
ماذا تودُّ من الشَّقيِّ
بعيشِهِ النَّكِدِ المُضِرِّ
إنْ كنتَ تطلبُني فهاتِ
الكأسَ أَشربُها بصَبْرِ
أَو كنتَ ترقُبُني فهاتِ
السَّهمَ أَرشُقُهُ بنَحْرِي
خذني إليكَ فقد تبخَّرَ
في فضاءِ الهمِّ عُمْرِي
وتَهَدَّلَتْ أَغْصانُ أَيَّامي
بلا ثَمَرٍ وزَهْرِ
وتناثَرَتْ أَوراقُ أَحلامي
على حَسَكِ المَمرِّ
خذني إليكَ فقدْ ظمِئْتُ
لكأسِكَ الكَدِر الأَمرِّ
خذني فقدْ أَصبَحْتُ أَرقُبُ
في فَضَاكَ الجوْنِ فَجْرِي
خذني فما أَشقى الَّذي
يقضي الحَيَاة بمِثْلَ أَمْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مزَّقتَ صدْرِي
وقصمتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ شاعَ الفؤادُ
وأقفرتْ عَرَصَاتُ صدْرِي
وغَدَوْتُ أَمشي مُطْرِقاً مِنْ
طُول مَا أَثْقَلْتَ فِكْرِي
يَا مَوْتُ نفسي ملَّتِ الدُّنيا
فهلْ لم يأْتِ دوْرِي
وقَصَمْت بالأَرزاءَ ظَهْرِي
ورمَيْتَني مِنْ حالقٍ
وسَخِرْتَ منِّي أَيَّ سُخْرِ
فلَبِثْتُ مرضوضَ الفؤادِ
أَجرُّ أجنحتي بذُعْرِ
وقَسَوْتَ إذْ أَبقيتَنِي في
الكونِ أَذْرَعُ كُلَّ وَعْرِ
وفَجَعْتَني فيمَنْ أُحِبُّ
ومنْ إليهِ أَبُثُّ سرِّي
وأَعُدُّهُ فَجْرِي الجميلَ
إِذا ادْلَهَمَّ عليَّ دَهْري
وأَعُدُّهُ وَرْدِي ومِزْماري
وكَاسَاتي وخَمْرِي
وأَعُدُّهُ غَابي ومِحْرابي
وأُغْنِيَتي وفَجْرِي
وَرَزَأْتَني في عُمْدَتي
ومَشُورَتي في كلِّ أمْرِ
وهَدَمْتَ صرحاً لا أَلوذُ
بغيرِهِ وهَتَكْتَ سِتْرِي
فَفَقَدْتُ روحاً طاهراً
شهماً يَجِيشُ بكلِّ خَيْرِ
وَفَقَدْتُ قلباً همُّهُ أَنْ
يستوي في الأُفقِ بدْرِي
وَفَقَدْتُ كفًّا في الحَيَاةِ
يصُدُّ عنِّي كلَّ شرِّ
وَفَقَدْتُ وجهاً لا يُعَبِّسُهُ
سوى حَزَني وضُرِّي
وَفَقَدْتُ نفساً لا تَني عنْ
صوْن أَفراحي وبِشْرِي
وَفَقَدْتُ رُكني في الحَيَاةِ
ورايَتي وعمادَ قصْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مَزَّقْتَ صَدْري
وقَصَمْتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ ماذا تبتغِي منِّي
وقدْ مزَّقتَ صَدْرِي
ماذا تودُّ وأَنتَ قَدْ
سوَّدتَ بالأَحزانِ فِكْرِي
وتَرَكْتَني في الكائناتِ
أَئِنُّ منفرداً بإِصْرِي
وأَجوبُ صحراءَ الحَيَاةِ
أَقولُ أَيْنَ تُراهُ قبْرِي
ماذا تَوَدُّ من المُعَذَّبِ
في الوُجُودِ بغيرِ وِزْرِ
ماذا تودُّ من الشَّقيِّ
بعيشِهِ النَّكِدِ المُضِرِّ
إنْ كنتَ تطلبُني فهاتِ
الكأسَ أَشربُها بصَبْرِ
أَو كنتَ ترقُبُني فهاتِ
السَّهمَ أَرشُقُهُ بنَحْرِي
خذني إليكَ فقد تبخَّرَ
في فضاءِ الهمِّ عُمْرِي
وتَهَدَّلَتْ أَغْصانُ أَيَّامي
بلا ثَمَرٍ وزَهْرِ
وتناثَرَتْ أَوراقُ أَحلامي
على حَسَكِ المَمرِّ
خذني إليكَ فقدْ ظمِئْتُ
لكأسِكَ الكَدِر الأَمرِّ
خذني فقدْ أَصبَحْتُ أَرقُبُ
في فَضَاكَ الجوْنِ فَجْرِي
خذني فما أَشقى الَّذي
يقضي الحَيَاة بمِثْلَ أَمْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مزَّقتَ صدْرِي
وقصمتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ شاعَ الفؤادُ
وأقفرتْ عَرَصَاتُ صدْرِي
وغَدَوْتُ أَمشي مُطْرِقاً مِنْ
طُول مَا أَثْقَلْتَ فِكْرِي
يَا مَوْتُ نفسي ملَّتِ الدُّنيا
فهلْ لم يأْتِ دوْرِي
أنشودة الرعد
في سكون الليل لمــــــا عانق الكون الخشوع
و اختفى صوت الأماني خلف آفاق الهجوع
***
رتـــّل الرعد نشيـــــــدا ردّدته الكائنـــــــات
مثل صوت الحق إن صا ح بأعمــــــاق الحياة
***
يتهادى بضجيــــــــــج في خلايا الأوديــــــة
مثل جبار بني الجـــن بأقصى الهاويـــــــــة
***
فسألت الليل, و اليــــ -ل كئيب, و رهيب
شاخصا بالليل و الليـ ـــل جميل و غريب
***
أترى أنشودة الرعــ ـــــد أنين و حنين
رنمتها بخشــــــــوع مهجة الكون الحزين؟
***
أم هي القوة تسعى باعتساف و اصطخاب
يتراءى في ثنايـــا صوتها روح العذاب؟
***
غير أن الليل قد ظــ ــل رَكودا , جامدا
صامتا مثل غدير الــ ــقفر, من دون صدى